محمد الجامعي.
كان مخاض ميلاد كرة الصالات عسيرا، وعرف تشنجات ومطبات في طريق النشأة بين جهازي “الفيفا” و”الفيفوزا”، لذا لم يكن ظهور اللعبة سهلا كما يعتقد كثير من ممارسيها، ولم يكن انتشارها ميسرا لأنه استنزف من المؤسسين جهدا كبيرا ومثابرة لا حدود لها، فضلا عن نضال في الجبهة القانونية والأكاديمية من خلال نتائج دراسات عميقة قام بها “خوان سيراني” أستاذ التربية البدنية بجمعية الاتحاد الرياضي للشباب المسيحي، التي رأت النور في لندن صيف 1844، على يد الثري “جورج وليامس”.
في كل فترات الميلاد، لابد من استخلاص شهادة الولادة ونيل حق الملكية الفكرية للعبة جمعت ما تشتت في أكثر من لعبة، لكن نيل الشهادة تطلب معركة بين الأمريكيين الجنوبيين، وتطلب أكثر إصرار على إخراج المولود إلى الميادين.
أمام ندرة الوثائق الثي تثبت أصولها، عملت بعض الدول من الأمريكيتين على استغلال هذه الثغرة واعتبرت نفسها مسقط رأس هذه الرياضة، لكن مهما غابت الوثائق والمستندات فإن الذاكرة الرياضية أجمعت على أن التاريخ يعطي لـ”سيرياني” حق الريادة، وتعلنه مبتكرها وأن صرختها الأولى قد سمعت فوق تراب الأوروغواي لحظة ولادتها سنة 1930، أنا المستندات شاهدة على هذه التواريخ والأسماء والأماكن.
ففي سنة 1933 سطر “سيرياني” قانونا لهذه اللعبة بعد بحث احترافي عميق، انتهى بصياغة قواعدها الأولى مقتبسا من ضوابط لعبة كرة اليد والسلة والوتر بولو، كما أشرت إلى ذلك سابقا، لتبدأ الخطوة الثانية أي انتزاع المصادقة على القوانين من طرف السلطات المحلية، بعد أن تطلبت الصياغة النهائية ثلاث سنوات كاملة.
في مدينة “مونتي فيديو” الأوروغوانية، لاتزال هذه الوثيقة مسجلة لدى السلطات الإدارية والقضائية، وتعد من ضمن الوثائق القديمة في سجلات المدينة، بل إن الاعتراف بها كلعبة تحمل اسم “فوتبول دي صالو”، لم يكن سهلا في ظل مساءلة عسيرة من العدالة وفقهاء القانون بعاصمة الأوروغواي.
كل هذا يؤكد أن “سيرياني” هو مبتكرها بعد نهاية بطولة كأس العالم بأيام، وبمجهود فردي ثم نشرها في مدينة “مونتي فيديو” حتى أصبحت اللعبة المفضلة لدى الشباب حيث تمارس في الشوارع والأزقة الضيقة وفي الفضاءات المتاحة.
بعد إنشائها أبدى “خوان سيريان” استعداده لتقنين اللعبة وتكريسها كنشاط بدني ورياضي وترفيهي جديد، كسائر الألعاب التي تمارس عادة في الأحياء الحضرية بالعاصمة، ويمكن الجزم بأن الشباب المسيحي داخل الجمعية على وجه الخصوص ساهم بشكل كبير في نشر اللعبة الوليدة، وهذه حقيقة تاريخية لا يمكن القفز عليها، لاسيما في ظرفية تاريخية تزامنت مع موجة هجرة الأوروبيين الكبيرة من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا نحو الأوروغواي والتي أعقبت الكساد الاقتصادي الكبير لسنة 1929.
ولأن الطقس بمونتي فيديو يكون باردا في فصل الشتاء، ومن الصعب ممارسة الكرة في الهواء الطلق من قساوة البرد والرياح، فقد كان الشباب بحاجة لممارسة نشاط رياضي ما في مكان مغلق، فعثر على ضالته في اللعبة الجديدة.
انتشرت اللعبة ووصلت إلى البرازيل، أصبحت معشوقة الجماهير وحجزت لنفسها مكانة في عقول الشباب، بل أضحت لعبة مفضلة لديهم، بالرغم من أن هذه الرياضة كانت في البداية تبدو عصية الانضباط في معظم ضوابطها لحد أن “خوان سيرياني” في أحد المؤتمرات أوصى بأن تمارس اللعبة في فضاءات محجوزة.
لعب كثير من المؤطرين البرازيليين دورا كبيرا في تحقيق الانتشار المأمول لهذه اللعبة على مستوى التراب البرازيلي، ويرجع الفضل في ذلك لأسماء تملك حق الريادة، على غرار “سيرو فانتو” و”أسدروب منتيرو” ثم “إيديلسون كيلمار”..
وفي سنوات الخمسينات من القرن الماضي، عرفت اللعبة إضفاء الطابع المؤسساتي عليها، من خلال إنشاء الاتحادات الجهوية الأولى في الولايات البرازيلية، وكانت “ساو باولو” من أهم معاقلها، حيث لعب حبيب محفوظ دورا كبيرا في هذا الحدث التاريخي.
في 28 يوليوز 1945، شهدت ريو دي جانيرو ميلاد أول اتحاد للعبة وعرف بـ”متروبوليتان”
المصدر : https://akadinews.com/?p=26830