خاطرة ضد تيار الإساءة و الشوهة الحالية بالجامعة المغربية و أساتذتها .

admin
التعليم
admin25 مايو 2025
خاطرة ضد تيار الإساءة و الشوهة الحالية بالجامعة المغربية و أساتذتها .

بقلم حبيل رشيد

يا من على العِلـمِ تاجُ الفَخارْ
ونُورُ المَعارفِ فيكَ استَدارْ
رشيدُ العُقولِ، وميزانُها
وسَيفُ القَـواطعِ في ليلِ نارْ
ركبتَ المدى دونَ خوفٍ، ولم
تُبَالِ بعِـزِّ الطُّغاةِ الكِبارْ
تُسائلُ فِكرًا، تُنقّبُ نَصًّا
وتَفْضحُ ما في النُّصوصِ العَوارْ
متى قُلتَ شيئًا، أتى بالحُجى
وصارَ الدليلَ، وإنْ لم يُزارْ
فيا فَارسَ الكُرسيِّ في الحَقِّ إذ
تُصيبُ المَعاني، وتُبقي الأثَـارْ

ما بين أروقة الفكر المتماوجة، وأعتاب القول الرصين في كليات العلوم القانونية والاقتصادية، يرتفع اسم الدكتور رشيد مقتدر، لا على منابر التبجيل فقط، بل في أذهان العارفين ومنتهجي سُبل التكوين الجاد، كركنٍ راسخ من أركان العقل الأكاديمي المغربي المعاصر، وذُروة فكرية قلّ أن يجود الزمان بمثيلها.

الدكتور رشيد، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق – جامعة الحسن الثاني، ليس مجرد حامل للقب ولا ممارس لمهنة، بل هو حامل لرسالة، متوشّح بوعيٍ مركّب، يمزج بين التأصيل النظري والممارسة النقدية، فترى في سرده للوقائع السياسية نبضًا تحليليًا لا يُقارن، وتشعر في حديثه عن المفاهيم بمنطقٍ بلاغيّ عالٍ، يكشف الغطاء عن خبايا المدونات القانونية والفكرية بمنهجية قلقة على الدوام، قلق المُفكّر الذي لا يستكين إلى الجاهز، ولا يرضى بالسائد.

هو من القلائل الذين تماهوا مع دورهم، لا بوصفهم ناقلين للمعرفة، بل بوصفهم فاعلين في إنتاجها، ومُجددين في نظمها، فكل محاضرة يلقيها ليست مجرد سردٍ لمحتوى، بل تمرينٌ على التفكير النقدي، واستفزازٌ للعقل الكسول، وإحياءٌ لتلك الملكة التي غابت عن الكثير : ملكة السؤال المربك.

وإن تساءلت عن سر حضوره الطاغي في نفوس الطلبة والباحثين، فإنك لا بد أن تُدرِك أنه المُرَبِّي والمُفكِّر والموجِّه في آنٍ معًا؛ ذلك الذي لا يغيب عن أحوال طلابه، يرافقهم في دروب البحث كما يرافق الأب أبناءه في أولى خطوات الإدراك، بوجهٍ لا يعرف الغطرسة، وصدرٍ يتسع للأسئلة المقلقة والاعتراضات المُلحَّة.

إنَّ الدكتور رشيد مقتدر ليس فقط أستاذًا محنَّكًا، بل بوصلة معرفية تُعيد ترتيب ملامح الفهم؛ ينهل من معين العلوم السياسية بعمقٍ تراكميٍّ يثير الدهشة، ويحاور الواقع بنبرة من يقف خارج المألوف، يُجيد تحليل البنى المجهرية للسلطة، ويُعيد تركيب النُّظم الفكرية بصرامة المنهج ونعومة الحضور.

وما يزيده تفرُّدًا ، هو تلك القدرة الخارقة على توليف المعارف المتنافرة في وحدة معرفية مترابطة، فيمزج بين الفقه الدستوري ونظرية الدولة، ويُطوِّع السوسيولوجيا لفهم آليات القرار، وينقُب في دهاليز التاريخ السياسي لا كمن يحكي حكاية، بل كمن يُوقظ ذاكرة الأجيال القادمة من سباتها المُزمن.

هو قارئٌ نهمٌ للنصوص، ومُعِدٌّ بارع للأسئلة؛ لا يُسعفه الزمن لتكرار المحتوى، لأنه يعي أن الفكر المتجدد لا يكرر ذاته، وأن المنهج الصارم هو باب الحقيقة، لا التنميق الإنشائي.

ولعل أبرز ما يُميّزه، هو تلك اللغة المتينة التي تشقُّ طريقها وسط الكلام، لغة لا تعرف السطحية، ولا تهادن في الدقة، تفيض بألفاظٍ عتيقة، ومعانٍ موشّاة بالرصانة، تجعل المستمع إليه يُنصت كما يُنصت المتصوّف إلى صوت الغيب.

إنه تجلٍّ من تجليات النخبة الحقيقية، لا تلك التي تتخذ من الوجاهة غطاء، بل التي تنسج حضورها من خيوط الصبر والمثابرة، فتراه حاضرًا في الندوات العلمية، وفي لجان التقييم، وفي اللقاءات الطلابية، دون أن تفتر عزيمته أو يتراجع حضوره.

فمن أراد أن يعرف كيف يكون الأستاذ الجامعي سندًا معرفيًا ومهنيًا ونفسيًا، فليتأمل هذا الرجل، هذا الصرح، هذا المثال: الدكتور رشيد مقتدر، الذي إن ذكرته في مجلس علمي، انفرجت الأسارير، وإن ناديت اسمه في قلب طالب، أجابك
الامتنان والاحترام.

رابط مختصر