بقلم :نورالدين رزاق لجريدة عقادي نيوز
بغض النظر عن تاريخ المواجهات السابقة بين المنتخبين المغربي و البلجيكي و التي لم تتجاوز ثلاثة في مجملها، الأولى كانت بمونديال أمريكا 1994، وانتهت بتفوق الشياطين الحمر بهدف نظيف وقعه مارك ديغريس، والثانية كانت حبية وذلك يوم 07 شتنبر من سنة 1999، واحتضنها ملعب موريس دوفراسن بمدينة ليييج البلجيكية انتهت بهزيمة كبيرة لأصدقاء العميد نور الدين النيبت برباعية نظيفة، تناوب على تسجيلها كل من لورينزو ستالينز، يوهان ڤاليم، إيميل مپينزا و برانكو ستروپار.
والمواجهة الثالثة هي الأخرى كانت حيية وأجريت بملعب الملك بودوان بالعاصمة البلجيكية بروكسل يوم 26 مارس 2008 وانتهت بانتصار كاسح لأبناء فتحي جمال بأربعة أهداف مقابل هدف واحد. أهداف المنتخب الوطني من توقيع سفيان العلودي، طارق السكتيوي، نبيل الزهر وعبد السلام بن جلون، فيما أحرز أليكس ڤيتسل هدف بلجيكا الوحيد.
قلت بغض النظر عن تاريخ المواجهات بين المنتخبين الذي يعرف لحد الآن تفوق طفيف لبلجيكا، هناك مباريات أخرى تجرى في الكواليس وبعيدا عن الجماهير، طرفاها الاتحاد البلجيكي والجامعة المغربية حول استقطاب المواهب من ذوي الجنسية المزدوجة، اشتدت مؤخرا، وعرفت انتصارات ساحقة للمغرب.
بداية استقطاب المنتخب المغربي للاعبين الممارسين بالدوري البلجيكي كانت في نهاية ثمانينيات القرن الماضي وبداية تسعيينياته، عندما تعرف المغاربة على المدافع الأيمن عبد الله ناصر، والمهاجم الأنيق محمد لصحف، الأول كان من لاعبي المنتخب بمونديال أمريكا 1994، أما الثاني فبسبب كسر مزدوج تعرض له، كان له تأثير بالغ على مستواه وساهم بشيء كبير في ابتعاده المبكر عن الملاعب.
نور الدين جباري كان أول لاعب من أصول مغربية يلعب للشياطين الحمر، وذلك في أواسط تسعيينيات القرن الماضي، النجم السابق لأندرخت وجينت وبروج، وسيركل بروج لم يلعب إلا مبارتين فقط بألوان بلجيكا.
بعده تم استقطاب كل من زكرياء البقالي ومروان فلايني وناصر الشاذلي، هذان الأخيران بعد تألقهما مع المنتخب البلجيكي بمونديال البرازيل 2014، أحدثا ضجة كبرى وسط الشأن العام الرياضي المغربي، خاصة إذا علمنا أنه قد سبق لهما حمل الألوان الوطنية، مروان فلايني حضر لأحد تجمعات المنتخب الوطني للشبان والشاذلي لعب مقابلة حبية مع المنتخب الوطني للكبار في عهد المدرب البلجيكي إريك غيريتس.
الحقيقة، ومن مصادرنا الخاصة، أن كل ما أثير حول تعامل مدرب وطني معروف مع فلايني غير صحيح، وإنما فلايني آنئذ كان ذا مستوى ضعيف و جودة لا ترقى لما هو مطلوب، والمنتخب المغربي كان لديه في ذلك المركز لاعبين بجودة عالية، الأحمدي وهرماش على سبيل المثال، درس استبعاده من شبان المنتخب أفاد كثيرا فلايني، حيث اشتغل واجتهد وتطور مستواه بشكل لافت، وعندما اتصلت به الجامعة من أجل تمثيل المنتخب الأولمبي المغربي، رفض تلبية الدعوة وقرر تمثيل بلجيكا. أما ناصر الشاذلي فقد كان واضحا وصريحا منذ البداية بأنه سيلتحق بالمنتخب من أجل التعرف عن قرب على أجواء المنتخب المغربي، و بعد ذلك يقرر، فعلا حضر لودية إيرلندا الشمالية يوم 17 نونبر 2010، بمدينة بلفاست الإيرلندية التي انتهت بالتعادل الإيجابي 1 – 1، ليقرر بعد ذلك الدفاع عن ألوان بلجيكا بمبرر عدم رضاه عن الأجواء السائدة داخل المنتخب الوطني المغربي.
بعد هاتين الضربتين اللتان كانتا موجعتين للجامعة الملكية المغربية، نهجت الجامعة سياسة أخرى في التعامل مع المواهب المغربية في بلجيكا، سياسة تعتمد على التنقيب والمواكبة المستمرة عن قرب والتواصل الدائم مع جميع اللاعبين بدون استثناء، وأولياء أمورهم، كذلك من أجل إقناعهم بمشروع الجامعة، على كل المستويات وفي جميع الأكاديميات، فضلا عن تهييء الأجواء داخل المنتخبات السنية ومحيطها. والبداية كانت بلاعبي بروج وستاندرد دولييج نبيل درار، والمهدي ݣارسيلا، اللذان مثلا المنتخب المغربي في كأس العالم 2018 بروسيا.
قبيل مونديال قطر اشتد وطيس المعركة بين الاتحاد الملكي البلجيكي والجامعة الملكية المغربية، عندما علم “البلاجكة” بأن أحسن ما لديهم من المواهب في الدوري البلجيكي، أو حاملي الجنسية البلجيكية، قد حسموا اختيارهم الدولي بالدفاع عن ألوان أرض الآباء والأجداد المغرب.
حاولوا الإغراء والضغط ولكن دون جدوى. إلياس السيباوي نجم بيرشوت التحق بتجمع المنتخب الأولمبي المغربي ودعوة مارتينيز في جيبه، بنيامين بوشواري أحسن لاعب واعد في الدوري البلجيكي – القسم الأول – الموسم الماضي اختار المغرب، إسماعيل الصيباري نجم ب س ف إيندهوفن فضل الدفاع عن ألوان المنتخب الأولمبي المغربي، عن ارتداء قميص بلحيكا، حتى ولو بتأجيل حضور المونديال لأربع سنوات أخرى، إبراهيم صلاح الجناح الطائر لجينت، عندما اتصلوا به من أجل الالتحاق بمنتخبهم الأولمبي، أخبرهم بأنه سيشد الرحال نحو مركز محمد السادس بالمعمورة قرب العاصمة الرباط.
لكن تبقى أقوى الضربات التي تلقتها الإدارة التقنية البلجيكية وزلزلت بيتها الداخلي، هي خسارتهم للجوهرة بلال الخنوس صاحب الـ18 عاما، الذي يعتبر أصغر لاعب في الدوري البلجيكي الممتاز، حاولت بلجيكا بخيلها وخيلائها بقيادة الناخب الوطني والمدير التقني روبيرتو مارتينيز استقطابه، لكنه أبى، حاولوا الضغط حينا والإغراء بمجاورة هازارد في المونديال أحيانا، لكنه أخبرهم بأن القلب والعقل قد اختارا ألوان الوطن.
أما آخر ضربة تلقتها بلجيكا وحتما لن تكون الأخيرة، هي تغيير وجهة نجم بينرلي الإنجليزي الواعد أنس زروري الذي قبل شهرين فقط كان يدافع عن ألوان المنتخب البىجيكي لأقل من 21 سنة، واليوم يوجد رفقة المنتخب الوطني المغربي بمونديال قطر، ضربة تمت في وقت قياسي وغير مسبوق وفي أقل من 24 ساعة فقط، كأسرع تغيير جنسية رياضية في التاريخ.
وللأمانة أنس كان قد اختار المغرب قبل المونديال، بلجيكا عندما بلغها الأمر اتصلت به بكبار قومها من أجل العدول عن قراره لكنه صمد، ولم يرضخ لضغوطاتهم، حتى أراد له الله عز وجل خيرا من ذلك كله، وهو المناداة عليه في آخر لحظة للمشاركة في كأس العالم معوضا أمين حاريت المصاب.
المصدر : https://akadinews.com/?p=15728