سواقي تارودانت: حارس يغتال وهوية تُفْتَقَد.

admin
جهات و اقاليم
admin10 مايو 2025
سواقي تارودانت: حارس يغتال وهوية تُفْتَقَد.

المراسل : كاتب وفاعل جمعوي

السواقي في مدينة تارودانت ليست لمد الأراضي والبساتين وسقي الأشجار المعمرة وحقول الخضراوات وإرواء المواشي، بل هي إرث حضاري تاريخي وهوية بصرية ومعلما يرسم جغرافية المدينة من حيث الأراضي السكنية والأراضي الفلاحية. فالإنسان الروداني في مختلف الأحياء التي سكنها أو ما يطلق عليه ب”الربوعة” كان يتعايش مع الساقية ككيان غير منفصل عن كينونته وحياته اليومية. بل كانت كثير من المنازل تخترقها السواقي داخل المدينة وما زالت المعالم والآثار شاهدة على ذلك.
إذا كيف تم القضاء على هذه السواقي في أقل من ثلاثة عقود و التي يجرم القانون اقتلاعها بمنصوص القانون 15-36 بحيث يشير في مادته الرابعة إلى “أن الملك العمومي المائي غير قابل للتفويت أو الحجز أو التقادم” ؟ نحن هنا لا نسائل المسؤولين عن سواقي المدينة القديمة أي التي تقع داخل حيز أسوار المدينة: كفرق الأحباب أو البلاليع أو تافلاكت، فاقتلاع جزء من هذه السواقي أو طمسها هو ضرورة فرضتها هيكلة المدينة واكتضاضها بالسكان الوافدين من المناطق الجبلية أو من مدن أخرى. ولكن نسائل المسؤولين عن السواقي التي كانت تحيط بالمدينة كسواقي باب الزركان وتارغونت والويسي وطامزطاوت وبوتاريالت والمريجة والزرايب وغيرها.
هذه السواقي التي كانت إلى عهد قريب جارية بمياه صافية عذبة، تروي العيون قبل الحقول، وتلطف الأجواء بحفاظها على الغطاء الغابوي المحيط بالمدينة، نعم للجفاف يد في توقف المياه بها رغم أننا نحتاط ونتحفظ على هذه الدعوى أمام  الضيعات التي تستنزف يوميا كميات من المياه يعادل ما يجري في هذه السواقي لساعات وساعات، ولكن لا يجب بأي وجه من الأوجه اقتلاعها من أماكنها بطرق عشوائية وغير قانونية في خرق سافر لأعراف التعامل مع هذه السواقي، بل وصل التهور في الكثير من الأحيان بعض الأشخاص التي تدفعهم جهات معينة أو نزعات شخصية واستثمارية إلى اقتلاعها وكسرها علنا كما وقع في الولاية السابقة للمجلس البلدي  أمام تجزئة نديم، رغم صرخات واعتراض بعض الغيورين والفلاحين، وكما فعل أيضا بالسواقي الواقعة قرب تجزئة الدعداع في مدخل الزرايب أو ما يعرف بالمريجة، وإذا عدنا إلى الوراء نرى أن الإجهاز على السواقي بدأ منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي   عندما تم تقليص مسافة الامداد بالمياة وتغيير اسم الساقية التاريخي الأصلي تافلاكت بمسميات أخرى كما تم إحداث جمعية أخرى للسقي تبين فيما بعد أنها جمعية  استنزفت الاعتمادات المالية واللوجيستيكية المرصودة لها كما أنها عطلت مهماتها دون أن حسيب ولا رقيب.
ولهذا لا نستبعد أن هذه الجمعية أصلا قد أسست لأغراض أخرى تبين فيما بعد أنه الغرض الأسمى وهو تحويل الكثير من الهكتارات في محيط المدينة إلى أراض عمرانية، سواء في الزرايب أو في طامزطاوت أو في المحايطة أو في بوتاريالت أو في بلاقشاش، في خرق سافر لكل الأعراف القانونية والأخلاقية والبيئية، وقد كان الأولى أن ترسم سياسة واضحة للمنطقة التي يجب أن تكون قطبا عمرانيا لا فتح جميع جهات وجبهات المدينة  للبناء العشوائي أو شبه العشوائي الذي تمثله التجزئات السكنية المشوهة على حساب الأراضي الفلاحية كما نشاهده اليوم في حي بوتاريالت وحي تامزطاوت …
وإذا كان الكلام عكس ما نقوله، فليأتي مدعو الإنجازات والمصلحة العامة بتجزئة واحدة تتوفر على فضاء أخضر مثالي أو مرافق صحية واجتماعية أو بتصميم يراعي خاصية المدينة التاريخية والعمرانية كما نراه في مراكش وبالخصوص التجزئات السكنية التي شيدت في حي الداوديات أو في أحياء أخرى، وعودا على بدء، ألم يكن الأولى ترك السواقي على الأقل في أماكنها وهندسة الأحياء الجديدة خارج المدينة وفق ضوابط صارمة تحافظ على المجالات الخضراء التي تعتبر متنفسا للمدينة وصدا “للشركي” الذي يلفح المدينة ويلهبها في فصول الصيف التي غدت المدينة تحطم الأرقام القياسية في معدلات الاحترار بها، وهذا ما يدفعهنا إلى التساؤل:
أين المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي؟ أين وكالة الحوض المائي؟ أين السلطة الترابية؟ أما الجمعية التي أوكل لها السهر على تدبير هذه السواقي وصيانتها والعناية بها، والذي بات يعرف من خلال كثير من التدوينات ومراسلات للمؤسسات المعنية، كيف تدبر الملك العمومي المائي، ومدى تحقيقها للأهداف التي وجدت من أجلها، والتي أتت بما لم يأت به الأوائل، حيث  تم تحديد تسعيرة ماء الآبار في 200.00 درهم للساعة الواحدة، وماء الفيض 30.00 درهم.
وكأنها بذلك تساهم بقسط كبير في إعدام أشجار ومزروعات الحقول والبساتين بشكل لا إرادي أو غير واع، متجاهلة اقتراحات وآراء وطلبات العديد من مستخدمي المياه المخصصة للأغراض الزراعية، فالمصلحة العامة تقتضي التدخل العاجل والحازم للتصدي لإبادة الملك العمومي المائي، و لما تتعرض له المدينة من تخريب بيئي، والقضاء على ما تبقى من جمال طبيعتها. التي كانت إلى أمد قريب خلابة وجدابة، مدينة بساكنتها  التي ترى في الساقية جزءا من ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
منير المنيري .
كاتب وفاعل جمعو

رابط مختصر