كان المخاض عسيرا واللغط كثيرا والملاسنات قاسية، والنقاش بين الأخذ والرد حول مكان الميلاد، سؤال ردده الجميع بأكثر من صيغة، وتداوله الناس بسبب شح المعلومات التي كانت تتوفر حينها، وظل الجميع ينتظر فرز الخيط الأبيض من الأسود.
ورغم تعدد الروايات وندرة الحجج، إلا أن المحققين ظلوا يسيرون في طريق البحث عن الحقيقة وهم يحملون مصابيحهم، ويضعون نظاراتهم الطبية كلما عثروا على وثيقة تفيد في الكشف عن الحقيقة أو جزء منها. لكن مهما اختلف الناس حول مكان الميلاد فلا أحد شكك في دور خوان كارلوس سرياني غرافيتي في المخاض والميلاد.
لم يبق السجال محصورا بين بلدين: الأوروغواي والبرازيل، بل ظهرت روايات أخرى، إذ قال الكنديون إن هذا النوع الرياضي ظهر في كندا سنة 1854، على غرار ما هو متداول في أمريكا اللاتينية، أي في الفضاءات الرياضية التي تمارس فيها ألعاب أخرى. وقال السوفياتيون إنهم مارسوا هذه الرياضة داخل قاعات كبيرة دون تقليص عدد اللاعبين، أي بإشراك 11 لاعبا في كل فريق. خاصة في فترات تساقط الثلوج وأيام الصقيع، على غرار ما حصل سنة 1993 حيث دارت أطوار مباريات داخل قاعة مغطاة جمعت فنلندا وليتوانيا ثم ليتوانيا وإستونيا، دون تقليص عدد اللاعبين.
نعود إلى “سيرياني” أستاذ التربية البدنية ومدرب السباحة والواتر بولو، وهو صاحب فكرة ابتكار اللعبة بعد نهاية أول نسخة من كأس العالم الدي شهدتها الأوروغواي سنة 1930، عندما شاهد حشودا من الشباب وقد خرجوا إلى الشارع العام لممارسة كرة القدم، لكن المساحات الضيقة في هذا البلد حالت دون تحقيق رغبتهم، فبدأ يفكر في استغلال ملاعب كرة السلة وكرة اليد.
في البداية ركز على الكرة، وحرص على أن تكون لها معايير خاصة من ناحية الوزن والحجم نظرا للمساحة الصغيرة التي ستلعب بداخلها، ثم فكر في استغلا ملاعب كرة السلة نشر هذا النوع الرياضي. تفحص أولا كرة البيزبول فقرر إحداث بعض التغييرات عليها، فقام بتلفيفها بورق النباتات كي تكون كرة قليلة المرتدات وحجما ما بين 55/60 سنتيمتر وألا يتعدى وزنها 350 غراما. طبعا كان لابد من إخضاع الاختراع للتجربة الميدانية، أول مباراة تجريبية جرت بقاعة نادي جوفنتود وسط مدينة مونتيفيديو يوم الثامن من شهر شتنبر 1930.
انتظر سيرياني حلول شهر شتنبر 1965، كي يعيش الحدث التاريخي ويعيش أجواء تأسيس الجامعة الأوروغوانية لكرة القدم، بمبادرة من أندية شهيرة أبرزها نادي بينارول مونتيفيديو الذي دعم اللعبة ونشرها على نطاق واسع، خاصة في أوروبا خلال الجولة الأوروبية الثي قام بها، وهزت أركان الصالات بإسبانيا وتشيكوسلوفاكيا وبلجيكا. بعد مرور عقود على هذا الحدث، قامت كونفدرالية أمريكا الجنوبية لكرة الصالة بإقامة نصب تذكاري تاريخي في نادي جوفنتود.
وفي سنة 1992 وشح رئيس دولة الأوروغواي، مبتكر اللعبة “خون سيرياني” بوسام الدولة والذي يمنح للمواطن اللامع في الأوروغواي.
لكن كيف انتقلت اللعبة إلى البرازيل؟، يجمع الباحثون في هذا المجال، أن الجمعية الكاتوليكية لشبان ساو باولو قد قامت بجولة في مونتيفيدو عام 1933، فاكتشفت لعبة كرة القدم داخل الصالات، كان أفراد الجمعية بصدد المشاركة في مؤتمر للهيئة الدينية، لكنهم حملوا معهم أمتعتهم الرياضية واستمتعوا بجاذبية اللعبة، وحين عادوا إلى بلدانهم عملوا على نشرها في أوساط الشباب. في هذا المؤتمر ثمت تلاوة أولى قوانين اللعبة التي سطرها مبتكرها سيرياني حيث ثم توزيعها على جميع الحاضرين، وكانت تلك أولى قطرات الغيث التي ارتوى منها شباب قارة بأكملها.
ونظرا لسمعة البرازيل ومكانتها في كرة القدم، فقد اعتقد البعض أنها أرض الميلاد، لكن الحقيقة غير ذلك لأن الوقائع أثبتت بأن اللعبة ظهرت في مونتيفيديو عام 1930 ووصلت إلى البرازيل بعد هذا التاريخ، قبل أن تصبح لعبة مهيكلة عام 1940، وكانت تمارس بأسلوبين: أحيانا تمارس بأقدام عارية وغالبا ما تمارس في الشواطئ، وتكون الكرة مصنوعة من بقايا النجارة وقشور الخضر أو الفلين، وكانت كثيرة الارتداد وتخرج كثيرا عن خطوط الملعب، ولتفادي كل هذه العيوب أو على الأقل التقليل منها ثم تقليص حجمها وزيد من وزنها.
أما الأسلوب الثاني في الممارسة، فيتعلق بكرة الصالات، التي قدمت من مونتيفيديو وتمارس في فضاءات مغلقة، بأحذية رياضية، ويرجع الفضل في انتشارها في ساوباولو لجمعية الشباب المسيحي.
في بداية عام 1936 بدأت الصحف تتناول أخبار اللعبة بالبحث والتقصي، حيث نشرت في إحدى المجلات الرياضية بعض قوانين اللعبة وكيفية ممارستها من طرف الشباب، بل إن الجمعية المسيحية نصحت في إحدى المؤتمرات التي عقدتها عام 1942، الصغار بممارسة اللعبة والترويج لمنافعها. بل إن الجمعية كونت أول لجنة للسهر على تطوير اللعبة، على رأسها هابيد موفوز ولويس غونزاغا، كان ذلك عام 1950.
المصدر : https://akadinews.com/?p=26954