إذا كان أصل كرة القدم العادية إنجليزي النشأة، فكرة القدم داخل القاعة تنحدر من أصول أمريكية، وتحديدا من الأوروغواي في أمريكا الجنوبية. وككل ولادة فإن هذه اللعبة ظلت تعيش جدل الهوية وتخوض معارك إثبات الذات والنسب.
لنبدأ أولا بتعريف هذه اللعبة، التي لا تختلف عن كثير من الرياضات الأخرى التي تمنح لممارسيها ومشاهديها المتعة واللهو والمرح، فضلا عن المنافع الصحية للرياضة، ودورها كمدرسة لتلقين قيم الحياة والضوابط القانونية للمنافسات وما يترتب عنها من احترام الخصم وضبط النفس والتنافس الشريف وتكريس مبادئ الروح الرياضية المثلى.
إذا كانت كرة القدم العادية أكبر منها سنا فشقيقتها كرة القدم “المصغرة” هي الأخرى ليست بحديثة العهد، ولا تقل سنا عن أختها البكر، فهي مقتبسة من أنواع أخرى من الرياضات أقدم منها ككرة القدم وكرة الماء وكرة السلة وكرة اليد، كل هذه الرياضات انصهرت في ما بينها فأنجبت كرة القدم داخل القاعة، والتي أصبحت الآن رياضة شعبية تمارس في كل أنحاء العالم.
تاريخيا، وبمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس دولة الأوروغواي سنة 1930، احتضنت الأوروغواي أول بطولة العالم بكرة القدم، بمشاركة سبعة دول، فازت البلد المستضيف بكأس العالم. مع نهاية هذا المونديال عرفت مدن الأوروغواي اجتياحا كرويا من عشاق كرة القدم وبدأوا يمارسون كرة القدم في الملاعب والساحات العمومية، وفي كل فضاء، حتى ضاقت بهم المدن التي لم تكن تتوفر على ملاعب لاستيعاب حشود العشاق المتيمين بمداعبة الكرة، من هنا تولدت لدى السيد “خوان سرياني” فكرة ابتكار هذه اللعبة.
حصل في بلدان أخرى وفي بلدنا أيضا مثل هذا السيناريو، نذكر جميعا ما ترتب عن فوز العداء المغربي سعيد عويطة من تهافت للشباب المغربي على ممارسة ألعاب القوى، وتهافت الشابات واقتدائهن بسيرة نوال المتوكل في بداية الثمانينات. فقد كانت عيون المغاربة صغارا وكبارا ذكورا وإناثا، وكافة الأطياف الاجتماعية، تضطر لمتابعة سباقات البطلين حتى في ساعة متأخرة من الليل، خاصة عويطة الذي سيطر على منافسات أم الألعاب ومنح المغاربة فسحة للاستمتاع بالإنجاز.
هذا ما وقع في الأوروغواي، لكن في لعبة أخرى، فبعد الفوز بأول كأس العالم أمواج من الشباب خرجوا ليمارسوا كرة القدم والركض خلفها، بل منهم من كان يتشبه بنجوم منتخب تسيد الكرة العالمية. حينما لاحظ السيد “خوان سيرياني” هذا التهافت آمن بأن الكرة ظاهرة مجتمعية فعلا تستحق التطوير.
فكر في استغلال ملاعب كرة السلة وكرة اليد لتمكين الشباب من ممارسة هوايتهم، وبعدما نالت فكرته ترحيبا كبيرا، بدأ يفكر في خلق لعبة جديدة مستقلة عن كرة القدم العادية، وبتسمية جديدة وقوانين جديدة، وشرع في إرساء قوانينها، ولأنه كان أستاذا للرياضة، وبالنظر لمهامه كمؤطر في هيئة للشباب المسيحي، التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى سنة 1845، والتي ظل امتد وجودها إلى سنة 1933، فإن ذلك عبد له الطريق لتحقيق مشروع ظل يسكن وجدانه، مستفيدا من شبكة علاقاته مع رجال الدين والسياسة والرياضة.
طرق “خوان” باب مبتكر لعبة كرة السلة السيد “جيمس نايسميث” ومخترع الكرة الطائرة السيد “ليم جي مورجان”، وفتح معهما قنوات التواصل وكشف لهما عن علبة مشروعه، وكانوا يحضرون الدكتوراه في التربية البدنية بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن تم اتفقوا على اقتباس القوانين من “الوتر بولو” وكرة اليد وكرة السلة وكرة القدم، وجعلها في خدمة لعبة جديدة مشتقة من كرة القدم العادية.
انكب “خوان” على وضع قوانين اللعبة، وخصص لها ست صفحات تضم إحدى عشر فصلا، وتم إرسالها بعد الصياغة من طرف “سامار” مدير المؤسسة المسيحية إلى مقر المؤسسة الأكاديمية في نيويورك للمصادقة عليها.
المصدر : https://akadinews.com/?p=26948